يقترب موعد الاستفتاء الشعبي على مشروع التعديلات الدستورية التي تثير زوبعة سياسية وإعلامية واسعة في البلد، وذلك رغم ما تتضمنه من نقاط إيجابية مضيئة لكل من لم ينظر إلى النصف الفارغ من الكأس.
فمشروع التعديلات الدستورية يتضمن الاستغناء عن هيئات قائمة لكنها غير فعالة ولا أثر لها على أرض الواقع مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومحكمة العدل السامية ودمج المجلس الإسلامي الأعلى ومؤسسة وسيط الجمهورية في هيئة واحدة هي المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، وإلغاء الغرفة الأولى للبرلمان "مجلس الشيوخ" الذي يعيد إجازة مشاريع القوانين والمراسيم التي تمت إجازتها من نواب الشعب لتحل محله مجالس جهوية أكثر قربا من المواطن ومن اهتماماته التنموية. وكل هذه الهيئات السابقة تكلف ميزانية الدولة مبالغ مالية هائلة يمكن استثمارها في مشاريع تنموية كبيرة تعود بالنفع على البلد وعلى رفاهية المواطنين كما أنها تعيق السير السلس للأمور.
ولا يمكن اعتبار مشروع التعديلات الدستورية المذكورة استهدافا لأشخاص بذواتهم بل هي مشروع مجتمع طموح يسعى لترقية الأداء وإرساء أسس تنمية مستدامة واستكمال بناء دولة قانون ومؤسسات قوية وفعالة في بلد يتطلع إلى المزيد.
كنت أتطلع شخصيا إلى أن يمرر الشيوخ المحترمون مشروع القانون المذكور باعتباره يهم التنمية الشاملة ولا يستهدف مناصب ولا أشخاصا بعينهم، وذلك لتفادى اللجوء إلى استفتاء شعبي كان من المهم الوصول إليه دون عناء، لكنني على يقين من أن الشعب يدرك أهمية هذا المشروع بالنسبة لمستقبل البلد ورخائه، وبالتالي فسيصوت في غالبيته بالإيجاب على هذه التعديلات التي صادتق عليها نخبة من السياسيين من المعارضة والموالاة خلال الحوار السياسي الأخير وتبناها فخامة رئيس الجمهورية بوصفه الضامن لتنفيذ مخرجات الحوار وتوصيات المتحاورين.
إن كل المؤشرات تحيل إلى ميول غالبية الشعب الموريتاني إلى تبني هذه التعديلات، بغض النظر عن بعض الجزئيات التي تثير بعض اللغط السياسي والإعلامي هنا وهناك، مثل إجراء تعديلات على النشيد الوطني وأخرى على علم الجمهورية، وفي كلتا الحالتين يبقى النشيد الأول كما هو تضاف إليه شحنات من الوطنية التي نحن في أمس الحاجة إليها، كما يبقى العلم الحالي على حاله مع إضافة لون يرمز لتضحيات الشهداء في سبيل الوطن والحرية والكرامة التي ننعم بها اليوم بفضل تلك التضحيات.
إننا بحاجة إلى دولة قانون ومؤسسات قوية تحمي الجميع وتتبنى الجميع وتدافع عن الجميع، ولن يتأتى كيان كهذا في ظل خلافات السياسيين التي يمكن تجاوزها بالحوار وإذابة الجليد بما يخدم الجميع خصوصا حين يتعلق الأمر بمراعاة المصلحة العامة وأولويات التنمية الشاملة.